ليس "عتادا فائضا" فقط.. لماذا وضعت واشنطن المغرب في دائرة المستفيدين الكبار من برنامجها العسكري؟

  ليس "عتادا فائضا" فقط.. لماذا وضعت واشنطن المغرب في دائرة المستفيدين الكبار من برنامجها العسكري؟
الصحيفة - خولة اجعيفري
السبت 20 دجنبر 2025 - 23:37

لا يُمكن اختزال إدراج المغرب ضمن كبار المستفيدين عالميا من برنامج المواد الدفاعية الأمريكية الفائضة في كونه مجرد نقل معدات لم تعد القوات المسلحة الأمريكية في حاجة إليها، فالأرقام التي كشفتها هيئة المحاسبة الأمريكية (GAO) عن الفترة الممتدة بين 2020 و2024 تُظهر أن الأمر يتجاوز منطق "الهبات" إلى قرار استراتيجي محسوب يضع الرباط في قلب هندسة أمنية إقليمية تُعيد واشنطن ترتيبها بهدوء.

ووفق التقرير الرسمي، فقد صُنِّف المغرب إلى جانب اليونان وإسرائيل ضمن أكبر ثلاثة شركاء أجانب من حيث القيمة الجارية لعروض العتاد الفائض التي سمحت بها الولايات المتحدة وهي عروض تتراوح قيمتها بالنسبة للمغرب بين 139 و242 مليون دولار والدول الثلاث مجتمعة تمثل حوالي 40 في المائة من إجمالي القيمة العالمية لعروض EDA خلال تلك السنوات ما يجعل حضور المغرب في هذه القائمة استثناء لا قاعدة.

وبرنامج EDA الذي تشرف عليه وزارة الدفاع الأمريكية بتنسيق مع وزارة الخارجية، يقوم على تحويل معدات عسكرية خرجت من الخدمة العملياتية للجيش الأمريكي إلى دول شريكة وفق صيغة "كما هي وحيث هي" أي أن الدولة المستفيدة تتحمل تكاليف النقل والتأهيل والصيانة.

ورغم أن هذه الصيغة تُفرغ مفهوم "المجانية" من محتواه الحرفي، فإنها تظل أقل كلفة وأسرع زمنيا من اقتناء منظومات جديدة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمعدات دعم ميداني أو منصات لوجستية متوافقة مع المعايير الأمريكية.

لكن القيمة الحقيقية، كما يقر تقرير GAO نفسه، لا تكمن في المعدات بحد ذاتها، بل في الهدف المعلن للبرنامج وهو تعزيز التشغيلية البينية بين الجيوش المستفيدة والجيش الأمريكي وبعبارة أوضح، فإن واشنطن لا تُدرج أي بلد في هذه الدائرة إلا إذا اعتبرته قادرا على العمل معها ميدانيا وقابلا للاندماج في منظومة التدريب والتخطيط والدعم اللوجستي الأمريكية.

ومن هذه الزاوية، يبدو إدراج المغرب منسجما مع مسار طويل من التقارب العسكري. فالرباط تُصنَّف منذ 2004 كـ"حليف رئيسي خارج الناتو" وتحتضن بشكل دوري مناورات "الأسد الإفريقي" أضخم تمرين عسكري أمريكي في القارة.

كما أن التعاون الدفاعي بين البلدين لا يقتصر على EDA، إذ تشير وزارة الخارجية الأمريكية إلى وجود 8.545 مليارات دولار من ملفات المبيعات العسكرية الحكومية النشطة مع المغرب ضمن برنامج FMS، تشمل معدات وتدريبا ودعما تقنيا.

التقرير الأمريكي يكشف أيضا جانبا آخر أقل تداولا وهو مراقبة الاستخدام النهائي، فالمغرب أُدرج ضمن خمس دول خضعت لتتبع معمّق في هذا الإطار إلى جانب إسرائيل واليونان وكولومبيا والفلبين.

ويعني ذلك، أن العتاد المحوّل يخضع لملاحظات دورية غالبا ربع سنوية، للتأكد من استخدامه وفق الشروط المتفق عليها وهذا المعطى لا يُقرأ كتشكيك، بل كمؤشر على حساسية المعدات المنقولة وأهمية الشريك الذي يتلقاها.

إجرائيا، يوضح التقرير أن "العرض" لا يعني تلقائيا ''الاستلام''، فالمسار يمر بطلب رسمي من الدولة الشريكة، ثم مراجعات تقنية وسياسية داخل البنتاغون ووزارة الخارجية، قبل الترخيص بعرض التحويل بعدها يظل للدولة المعنية حق القبول أو الرفض، خاصة إذا تبيّن أن كلفة التأهيل أو الصيانة مرتفعة فخلال الفترة 2020–2024، نفذت الولايات المتحدة 125 حالة تحويل ضمن برنامج EDA، أي 125 إطارا تعاقديا حكوميا-حكوميا.

وفي المحصلة، لا يبدو أن إدراج المغرب في الشريحة العليا من برنامج EDA يعكس فقط ثقة أمريكية في قدراته العسكرية، بل يكشف أيضا عن رهان جيوسياسي يكمن في تعزيز موقع الرباط كفاعل أمني محوري في شمال إفريقيا وغرب المتوسط، في سياق إقليمي يتسم بتصاعد عدم الاستقرار في الساحل، وتزايد المنافسة بين القوى الكبرى على النفوذ العسكري.

وبهذا المعنى، فإن "العتاد الفائض" ليس فائضا سياسيا إنه أداة من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية تُستخدم لفرز الشركاء وترتيب الأولويات، وبناء تحالفات عملية بأقل كلفة وأعلى مردودية والمغرب وفق الأرقام الرسمية بات اليوم جزءا من هذه المعادلة أكثر من أي وقت مضى.

ويُحذّر الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، أنور العباسي من قراءة برنامج العتاد العسكري الأمريكي الفائض من زاوية "الدعم" فقط، معتبرا أن EDA هو في جوهره أداة لضبط اتجاهات التسلح لدى الحلفاء أكثر مما هو وسيلة لرفع قدراتهم بشكل مطلق.

وأوضح الخبير، في حديثه لـ"الصحيفة" أن إدماج المغرب في هذا المسار "يمنح واشنطن قدرة غير مباشرة على توجيه خيارات التحديث العسكري والتحكم في وتيرة إدخال المنصات الجديدة وربط جزء من جاهزية الجيش المغربي بسلاسل الإمداد الأمريكية".

ويضيف أن "الولايات المتحدة عبر هذه الآلية، تُقلّص هامش لجوء شركائها إلى مصادر تسليح منافسة وتؤمّن تفوقها المعياري على مستوى العقيدة واللوجستيك" مشيرا إلى أن "المكسب المغربي الحقيقي لا يكمن في المعدات نفسها بل في الوصول المستمر إلى منظومة تشغيل وتدريب ودعم مرتبطة بها، وهو مكسب يظل مشروطا بالحفاظ على منسوب عالٍ من الانسجام السياسي والأمني مع واشنطن".

 ويخلص الخبير إلى أن EDA يرسّخ شراكة محسوبة الكلفة والمردودية للطرفين لكنه في الوقت نفسه يُعيد تعريف استقلالية القرار التسليحي في المدى المتوسط.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...